قال المصنف: "وأنكر غلاة المعتزلة أن الله كان عالماً في الأزل، وقالوا: إن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد حتى يفعلوا! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً".
ما هي شبهة القدرية الغلاة التي جعلتهم ينكرون علم الله تبارك وتعالى بأفعال العباد؟
شبهتهم: هي المعاصي. فإنهم قالوا: كيف نقول: إن الله علم بالمعاصي وقدرها على العباد؟!
إذاً: الشر المقصود هو الذنوب والمعاصي، فيقولون: لا ننسب الشر إلى الله ونقول: إن الله قدر ذلك وكتبه على العبد وعلمه، بل ننزه الله تعالى عن الشر. وقد سبق أن ناقشنا هذا الأمر كثيراً، ومما ذكرناه: أن الله سبحانه وتعالى لا يخلق شراً محضاً من جميع الوجوه، بل يكون شراً من وجه وخيراً من وجه آخر.
فهم يقولون: لا ننسب الشر إلى الله -تعالى الله عن ذلك- ثم نقول: إنه علم ذلك وقدره ثم يجازي العبد عليه، فإن في هذا نسبة الظلم إلى الله، وبناءً عليه قالوا: إن الله لا يعلم بالذنب أو بالظلم أو بالمعصية والخطيئة حتى يفعلها العبد، فإذا فعلها العبد علمها الله سبحانه وتعالى، ثم يحاسب العبد عليها.
فهم هربوا من شيء فوقعوا في شيء أعظم منه، حيث أرادوا أن ينزهوا الله سبحانه وتعالى عن نسبة الشر إليه فنسبوا إليه الجهل.. فأيهما أشنع؟! لا شك أن الجهل أشنع؛ لأن نسبة الشر إلى الله لا حقيقة لها؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق العباد هكذا، وهو الذي يبتليهم ويمتحنهم ويختبرهم، وقد جعلهم فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وخلقهم وقال: هؤلاء في الجنة، وبعملها يعملون، وهؤلاء في النار، وبعملها يعملون.